فصل: (سورة محمد: الآيات 7- 12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ} الواو عاطفة و{يدخلهم} فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به و{الجنة} مفعول به ثان على السعة وجملة {عرفها لهم} مستأنفة أو حالية وسيأتي في باب الفوائد معنى {عرفها لهم}.

.البلاغة:

1- في قوله تعالى: {وأضلّ أعمالهم} استعارة مكنية فقد شبّه أعمالهم بالضالة من الإبل التي هي بمضيعة لا رب لها يحفظها ويعتني بها أوبالماء الذي يضل في اللبن والمعنى أن الكفار ضلّت أعمالهم الصالحة في جملة أعمالهم السيئة من الكفر والمعاصي وحتى صار صالحهم مستهلكا في غمار سيئهم ومقابله في المؤمنين ستر اللّه لأعمالهم السيئة في كنف أعمالهم الصالحة من الايمان والطاعة حتى صار سيئهم مكفرا ممحقا في جنب صالح أعمالهم. وإلى هذا التمثيل الجميل في عدم تقبل صالح الكفار والتجاوز عن سيئ أعمال المؤمنين وقعت الإشارة في قوله تعالى: {كذلك يضرب اللّه للناس أمثالهم} وتفصيل ذلك أن ضرب المثل استعمال القول السائر المشبّه مضربه مورده بمورده قال الزمخشري: فإن قلت أين ضرب الأمثال؟ قلت في أن جعل اتباع الباطل مثلا لأعمال الكفّار واتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين أو في جعل الإضلال مثلا لخيبة الكفّار وتكفير السيئات مثلا لفوز المؤمنين.
2- المجاز المرسل: وفي قوله تعالى: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} مجاز مرسل علاقته ذكر الجزء وإرادة الكل لأن ضرب الرقاب عبارة عن القتل ولكن لما كان قتل الإنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته وقع عبارة عن القتل وقد أوثر المجاز لما فيه من تصوير وتجسيد لأن في هذه العبارة- كما يقول الزمخشري- من الغلظة والشدّة ما ليس في لفظ القتل لما فيها من تصوير القتل بأشنع صورة وهو حزّ العنق وإطارة العضوالذي هو رأس البدن وعلوّه وأوجه أعضائه.
3- وفي قوله تعالى: {حتى تضع الحرب أوزارها} استعارة مكنية أوتصريحية فعلى الأولى شبّه الحرب بمطايا ذات أوزار أي أحمال ثقال. وعلى الثانية استعار الأوزار لالات الحرب. وفيه أيضا مجاز في الإسناد فقد أسند وضع الأوزار إلى الحرب وإنما هو لأهلها.

.الفوائد:

معنى قوله تعالى: {عرّفها لهم} إما من التعريف وهو التحديد بحيث يكون لكل واحد جنة مفرزة. وفي البخاري ما يدل على صحة هذا القول عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة من منزله الذي كان في الدنيا» وأما من العرف وهو طيب الرائحة قال ابن عباس عرفها لهم بأنواع الملاذ وطعام معرّف أي مطيّب. تقول العرب: عرفت القدر إذا طيبتها بالملح والأبازير. وفي كلام بعضهم: عزف كنوح القماري وعرف كفوح القماري. والقماري الأول جمع قمري اسم طير والقماري الثاني عود منسوب إلى موضع ببلاد الهند. كذا في الصحاح.

.[سورة محمد: الآيات 7- 12]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (8) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (9) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وللْكافِرِينَ أَمْثالُها (10) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مولى الَّذِينَ آمنوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مولى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الأنعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (12)}.

.اللغة:

{فَتَعْسًا} التعس: الهلاك وخيبة الأمل وفي المختار: التعس الهلاك وأصله الكبّ وهو ضد الأنتعاش وقد تعس من باب قطع وأتعسه اللّه ويقال: تعسا لفلأن أي ألزمه اللّه هلاكا وفي المصباح: وتعس تعسا من باب تعب لغة فهو تعس مثل تعب ويتعدى بالحركة وبالهمزة فيقال تعسه اللّه بالفتح وأتعسه وفي الدعاء تعسا له وتعس وانتكس فالتعس أن يخرّ لوجهه والنكس أن لا يستقل بعد سقطته حتى يسقط ثانية وهي أشدّ من الأولى وفي الأساس: تعس فلان بالفتح. والكسر غير فصيح. وتعسا له وتعسه اللّه وأتعسه قال:
غداة هزمنا جمعهم بمقالع ** فابوا بأتعاس على شر طائر

وتقول: أضرع اللّه خدّه. وأتعس جدّه وهو منحوس متعوس وهذا الأمر متعسة منحسة.
وعبارة القرطبي: وفي التعس عشرة أقوال:
الأول: بعدا قاله ابن عباس وابن جريج. الثاني خزيا لهم قاله السدي. الثالث شقاء لهم قاله ابن زيد. الرابع شتما لهم من اللّه قاله الحسن. الخامس هلاكا لهم قاله ثعلب. السادس خيبة لهم قاله الضحاك وابن زياد. السابع قبحا لهم حكاه النقاش. الثامن رغما لهم قاله الضحاك أيضا. التاسع شرّا لهم قاله ثعلب أيضا. العاشر شقوة لهم قاله أبو العالية.

.الإعراب:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ} {يا أيها الذين آمنوا} تقدم إعرابها كثيرا و{إن} شرطية و{تنصروا} فعل الشرط و{اللّه} مفعول به و{ينصركم} جواب الشرط {ويثبت أقدامكم} عطف على الجواب ولا بدّ من حذف مضاف أي دين اللّه ورسوله.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ} {والذين} مبتدأ خبره محذوف تقديره تعسو وهو العامل في تعسا ويجوز أن ينصب بفعل محذوف يفسره ما بعده وجملة {كفروا} صلة للموصول والفاء رابطة تشبيها للموصول بالشرط وتعسا مفعول مطلق لفعل محذوف كما تقدم و{لهم} متعلقان بتعسا أو صفة له {وأضل أعمالهم} عطف على الفعل الذي نصب تعسا.
{ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ} {ذلك} مبتدأ و{بأنهم} خبره وأن واسمها وجملة {كرهوا} خبرها و{ما} مفعول به وجملة {أنزل اللّه} صلة. {فأحبط} عطف على {كرهوا} و{أعمالهم} مفعول به.
{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء عاطفة على محذوف ولم حرف نفي وقلب وجزم و{يسيروا} فعل مضارع مجزوم بلم و{في الأرض} متعلقان بيسيروا. {فينظروا}: الفاء فاء السببية وينظروا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء و{كيف} اسم استفهام في محل نصب خبر {كان} المقدم و{عاقبة} اسمها المؤخر و{الذين} مضاف إليه. و{من قبلهم} متعلقان بمحذوف هو الصلة.
{دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وللْكافِرِينَ أَمْثالُها} الجملة مفسرة لكيف لا محل لها و{دمر اللّه} فعل وفاعل و{عليهم} متعلقان بدمر ومفعول {دمر} محذوف تقديره أهلك نفسهم وأموالهم وما شادوه. ولك أن تضمن {دمر} معنى سخط فلا تحتاج إلى مفعول و{للكافرين} خبر مقدم و{أمثالها} مبتدأ مؤخر والضمير يعود على العاقبة المتقدمة أي أمثال عاقبة من قبلهم ويجوز أن يعود على التدميرة المفهومة من قوله: {دمر اللّه عليهم} والأول أولى.
{ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مولى الَّذِينَ آمنوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مولى لَهُمْ} {ذلك} مبتدأ و{بأن} خبره و{اللّه} اسم أن و{مولى الذين آمنوا} خبر أن و{أن الكافرين} عطف على ما تقدم و{لا} نافية للجنس و{مولى} اسمها و{لهم} خبرها والجملة خبر {أن}.
{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنهارُ} الجملة مفسّرة لولايته تعالى وما يترتب عليها وإن واسمها وجملة {يدخل الذين آمنوا} خبرها {وعملوا الصالحات} عطف على الصلة وداخلة في حيزها و{جنات} مفعول به ثان على السعة وجملة {تجري من تحتها الأنهار} صفة لجنات.
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الأنعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} {والذين} مبتدأ وجملة {كفروا} صلة وجملة {يتمتعون} خبر {الذين} وجملة {يأكلون} عطف على جملة {يتمتعون} و{كما} في موضع نصب نعت لمصدر محذوف على مذهب أكثر المعربين أو في موضع نصب على الحال على مذهب سيبويه و{تأكل الأنعام} فعل وفاعل والواو استئنافية {والنار} مبتدأ و{مثوى} خبر و{لهم} صفة لمثوى.

.[سورة محمد: الآيات 13- 15]:

{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهواءَهُمْ (14) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسن وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ولهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هو خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15)}.

.اللغة:

{آسن} بالمدّ والقصر كضارب وحذر أي غير متغير بخلاف ماء الدنيا فيتغير بما يطرأ عليه من عوارض وفي المختار: الاسن من الماء مثل الاجن وزنا ومعنى وقد أسن من باب ضرب ودخل وأسن فهو آسن من باب طرب لغة فيه ويقال أسن الماء وأجن إذا تغير طعمه وريحه وأنشد ليزيد بن معاوية:
لقد سقتني رضابا غير ذي أسن ** كالمسك فتّ على ماء العناقيد

{عَسَلٍ} نقلوا في العسل التذكير والتأنيث وجاء في القرآن على التذكير في قوله: {من عسل مصفى} وفي المصباح والعسل يذكّر ويؤنث وهو الأكثر ويصغّر على عسيلة على لغة التأنيث ذهابا إلى أنها قطعة من الجنس وطائفة منه وفي المختار العسل يذكّر ويؤنث يقال منه عسل الطعام أي عمله بالعسل وبابه ضرب ونصر وزنجبيل معسل أي معمول بالعسل والعاسل الذي يأخذ العسل من بيت النحل. والنحل عسّالة وفي الأساس الدليل يعسل في المفازة وصفقت الرياح الماء فهو يعسل عسلانا وأنشد الأصمعي:
قد صبّحت والظل غض ما ** رحل حوضا كأن ماءه إذا عسل

من نافض الريح رويزيّ سمل ورمح وذئب عسال ورماح وذئاب عواسل وتقول: يمتار الفيء العاسل كما يشتار الأري العاسل. وبنو فلان يوفضون إلى العسالة. كما يطّرد النحل إلى العسّالة وهي الخلية وطعام معسول ومعسّل وعسلت القوم وعسّلتهم: أطعمتهم العسل.

.الإعراب:

{وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ} كلام مستأنف مسوق لتسليته صلى الله عليه وسلم بمثابة المثل له. {وكأين} خبرية وهي كلمة مركبة من الكاف وأي بمعنى كم الخبرية ومحلها الرفع على الابتداء و{من قرية} تمييز لها وقد تقدم القول فيها مفصلا فجدد به عهدا و{هي} مبتدأ و{أشد} خبر والجملة صفة لقرية و{قوة} تمييز و{من قريتك} متعلقان بأشد و{التي} نعت لقريتك وجملة {أخرجتك} صلة التي وجملة {أهلكناهم} خبر كأين والفاء عاطفة ولا نافية للجنس و{ناصر} اسمها و{لهم} خبرها.
وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال: «أنت أحبّ بلاد اللّه إليّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك لم أخرج» فأعتى الأعداء من عتا على اللّه في حرمه أوقتله غير قاتله أوقتل بدخول الجاهلية.
{أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهواءَهُمْ} كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان حال الفريقين المؤمنين والكافرين والهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء عاطفة على محذوف مقدر يقتضيه المقام والتقدير أليس الأمر كما ذكر فمن كان مستقرا على حجة ظاهرة وبرهان كمن زين له. ومن اسم استفهام في محل رفع مبتدأ و{كان} فعل ماض ناقص واسمها مستتر تقديره هو يعود على من و{على بيّنة} خبر و{من ربه} صفة لبينة و{كمن} خبر وجملة {زين} بالبناء للمجهول صلة و{له} متعلقان بزين و{سوء عمله} نائب فاعل {واتبعوا} عطف على {زين} وقد روعي فيه معنى من كما روعي لفظها في {زين} و{أهواءهم} مفعول به.
{مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسن وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} {مثل الجنة} مبتدأ وسيأتي الكلام على خبره و{التي} صفة وجملة {وعد المتقون} صلة و{فيها} خبر مقدم و{أنهار} مبتدأ مؤخر والجملة حال من {الجنة} أو خبر لمبتدأ مضمر أي هي فيها أنهار أو داخلة في حيز الصلة وتكرير لها و{من ماء} صفة لأنهار و{غير آسن} صفة ثانية لأنهار {وأنهار} عطف على {أنهار} الأولى و{من خمر} نعت و{لذة للشاربين} نعت ثان و{للشاربين} متعلقان بلذة لأنها مصدر بمعنى الالتذاذ ووقعت صفة للخمر ويجوز أن تكون مؤنث لذّ. ولذّ بمعنى لذيذ وعلى الأول لابد من تأويلها بالمشتق ليصحّ النعت بها على حدّ زيد عدل بمعنى عادل. وسيأتي المزيد من بحث {لذة للشاربين} في باب الفوائد.
{وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى ولهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} {وأنهار} عطف على {أنهار} المتقدمة و{من عسل} صفة و{مصفّى} صفة لعسل والواو حرف عطف و{لهم} خبر مقدم و{فيها} متعلقان بما يتعلق به الخبر من الاستقرار المحذوف والمبتدأ محذوف تقديره أصناف و{من كل الثمرات} نعت للمبتدأ المحذوف و{مغفرة} عطف على أصناف أو مبتدأ خبره المقدم محذوف أي ولهم مغفرة و{من ربهم} نعت لمغفرة.
{كَمَنْ هو خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ} {كمن} خبر لمبتدأ محذوف تقديره أمن هو خالد في هذه الجنة حسبما جرى به الوعد كمن هو خالد في النار وعلى هذا يكون خبر مثل مقدّر فقدّره سيبويه فيما يتلى عليكم مثل الجنة والجملة بعدها أيضا مفسّرة للمثل وقدّره النضر بن شميل مثل الجنة ما تسمعون والجملة بعدها مفسّرة أيضا ويجوز أن يكون الخبر {كمن هو خالد في النار}. {وسقوا} الواو عاطفة و{سقوا} فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل و{ماء} مفعول به ثان و{حميما} نعت لماء. {فقطع} الفاء عاطفة و{قطع أمعاءهم} فعل وفاعل مستتر ومفعول به.

.الفوائد:

كثر الكلام واستفاض حول هذه الآية وسننقل عبارة الزمخشري مع تعقيب بديع عليها قال: فإن قلت ما معنى قوله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار}؟ قلت هو كلام في صورة الإثبات ومعنى النفي والأنكار لانطوائه تحت حكم كلام مصدر بحرف الأنكار ودخوله في حيّزه وانخراطه في سلكه وهو قوله تعالى: {أفمن كان على بيّنة من ربه كمن زيّن له سوء عمله} فكأنه قيل أمثل الجنة كمن هو خالد في النار أي كمثل جزاء من هو خالد في النار فإن قلت: فلم عرّي من حرف الأنكار وما فائدة التعرية؟ قلت: تعريته من حكم الأنكار فيها زيادة تصوير لمكابرة من يسوّي بين المتمسك بالبيّنة والتابع لهواه وأنه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التي تجري فيها تلك الأنهار وبين النار التي يسقى أهلها الهيم ونظيره قول القائل:
أفرح أن أرزأ الكرام وأن ** أو رث ذودا شصائصا نبلا